قد يكون صعبا ً أن تتأكد من أنك مازلت حيا ً ترزق فالرزق لم يعد هو الدليل القاطع على ان الشخص مازال حيا فكم من ألاف ينامون ولا يجدوا ما يسد جوعهم ولا حتى شربه الماء التى قد تكون هى وسيلة أنقاذ شخص من جفاف ياتى على حياتة ــــ أن كان حيا فى الاساس ــــ تحسس جلدك ووجهك أمسك يدك بيدك قم من على السرير وارمى عن جسمك الغطاء الثقيل وأنظر إلى المرآة وأسأل هل هذا أنا ؟ وأنا من أنا ؟ متى جئت ؟ هل ميعاد مولدى هو نفس اليوم الذى أتيت فيه إلى الدنيا ؟ ومن الذى جاء بى إليها ولماذا جاء بى وهو يعرف أنها قد تكون قاسية هكذا على ّ ؟ أنه حتما يريد الخير لنا ! هو رد الشخص الذى امامك وقد رسم على وجهه ملامح الأنبياء وحفنه من الصالحين والجالسين طول اليوم بقناة الناس وألاف المشاهدين وهم فى قمة تأثرهم ، تتردد فى الاجابة عليه وتكتشف أنك لو قلت كلمة أخرى سوف يكون مصيرك هناك على الحائط محبوس داخل إطار خشبى ،عليه شارة سوداء قد يطلقون عليه طبلوه الموتى ويكتب ابوك تحته جملة بخط رفيع " كان ولدى ...وكان يعيش ... وكان مسلما ... لولا أنه صدق ان هناك عقل ومهمته التفكير " .
تقرر ان تغادر العمل بعد أن نظرت إلى الساعة المعلقة بالحائط وقد تقاربت العقارب أن تجتمع فى مكان واحد ربما كان رقم واحد ، تلتف بالكوفية التى أخذتها من صديقتك الفلسطنية والمرسوم عليها علم فلسطين تشعر أنها تزيد من خنقتك لكنك تجبر على إحكامها حول رقبتك فقط لتنفذ ما طلبتة منك أمك عندما قررت النزوح من قريتكم لتستقر بالقاهرة بجوار عملك ، تقرر العودة إلى المنزل محتميا ً بما تبقى لديك من السجائر وبعض الشجاعة تنوى إقتحام الشارع رغم المطر وبركه والطين الذى أنتشر فى كل مكان ، تفكر كيف يأتى الطين وما هى علاقته بالشتاء ، فتعود وتتذكر مشهد أبوك يصرخ فى وجهك لا تفكر فيما يغضب الله ، المشهد يجرى من أمام عينك بكل تفاصيله حتى دموع أمك التى تجتهد فى ألا يراها أبوك حتى لا تعاقب هى بدلا منك ، تغمض عينك عندما يمر من أمامك مشهد يد أبوك الضخمه وهى تسلم على خدك الايمن وهى نفسها لا تستريح قبل ان تمر على الايسر وتعطية تحيته التى تكرهها جدا ًً ، الشارع يبدو مخيفا ً فلا يوجد به سواك تحاول أن تقضى على الخوف بداخلك تشعل سيجارة تسرع من خطواتك لكنه ما زال يطاردك نفس الشئ تشعر بمر المذلة تسرع أكثر وأكثر لكنه مازال ورائك كـظلك لا يريد أن يفارقك تنادى الشجاعة لكنها كانت أسرع منك ، فلا تعود ولا تسأل عنك ، أصبحت وحيداً كما كنت ، لا تستطيع حتى أن ترفع قدمك تشعر أنه ألتصق بها كل طين الدنيا تستسلم لهذا الطين و تجلس فى الشارع وسط الماء ، لا يهمك أتساخ ملابسك ، زلا كلام الاطباء عن برد العظام ، كل ما يزعجك هو الوحده التى تعيش فيها بداخل هذا الشارع تعرف أن الشارع نفسه هو " مصر " الصغيرة كل واحد فيها يعيش وحيدا رغم الزحمة التى نراها كل واحد فى طريق له مشروعه وخططه وامنياته وأحلامه وكوابيسه ، تفرح لإكتشافك وتأنس بوحدتك وتنظر إلى السماء ولا تتكلم فقط تفكر هل أنا حى أم ..........